■ خاص المرصد
◇ السعيد: الاقتصاد المِصري لا يزال في اتجاهه نحو تحقيق ما يرمي إليه من مُستهدفات نتيجةً لبرنامج الإصلاح الهيكلي الذي تبنته الدولة..
في إطار فعاليات “المؤتمر الاقتصادي ـ مصر 2022″، انطلقت أولى الجلسات تحتَ عُنوان “السياسات المطلوبة لتعزيز قُدرة الاقتصاد المِصري على مواجهة الأزمات”، والتي بدأت بتناول الدكتورة هالة السعيد، وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية، لعددٍ من المحاور المُرتبطة بالأوضاع الاقتصادية عالميًا ومحليًا؛ حيث استهلت حديثها بالتأكيد على أنَ التجربة التنموية المصرية أو النظرة المُستقبلية لا ينبغي أن يُنظَر إليها في معزلٍ عن الظروف الدولية والعالمية، فما يُحيط بالعالم من تطورات وأزمات، شكلت ضغطًا على السياسات المالية في أغلب الدول الناشئة بما فيها مِصر، إلا أن برنامج الإصلاح الاقتصادي الذي انتهجته الدولة عززَ من قدرة الاقتصاد المصري ومرونته في مواجهة وامتصاص الأزمات، بدءًا من تفشي جائحة كوفيد-19، مرورًا بالأزمة الروسية الأوكرانية، وما استتبعها من أزماتٍ تتعلقُ بالطاقة، واضطراب سلاسل الإمداد العالمية، وارتفاع مُعدلات التضخم، وتشديد السياسات النقدية.
ثم تطرقت وزيرة التخطيط للحديث عن تطور مُعدلات النمو في مِصر، وكيفَ أنها كانت تتسمُ بالتذبذب وعدم الاستدامة، موضحة أنه على الرغم من تحقيق البلاد في عقودٍ مضت مُعدلات نمو مُرتفعة وصلت إلى نحو 7.5%، إلا أنه كان مُعدل نمو غير مُستدام، يُحركه الاستهلاك بشكلٍ رئيس، ويتسم بتدني مُشاركة القطاعات الاقتصادية الرئيسة مثل الزراعة، والصناعة، وتكنولوجيا المُعلومات، إلا أن جهود الدولة دفعت الاستثمار للمشاركة بشكل أكبر في ارتفاع مُعدلات النمو منذ العام المالي 2016/2017.
وعلى صعيد التشغيل، أشارت الوزيرة إلى أن مُعدلات البطالة في مِصر شهدت أدنى مُستوياتها على مدار 20 عامًا، إذ كانت الدولة تُعاني من كون المُعدل يتجاوز حاجز الـ 9% سنويًا، إلا أن هذا المُعدل أصبح يشهد تراجعًا بشكلٍ متواتر إلى ما دون الـ 8% مع توقعات بالمزيد من الانخفاض، مؤكدةً على إدراك الدولة للفجوة بين مُخرجات العملية التعليمية واحتياجات سوق العمل في مِصر، ولذا بدأت الدولة في مُعالجة تلك الفجوة، من خلال تطوير برامج التعليم العالي، والتوسع الشديد في برامج التعليم الفني والمهني، مُشيرةً إلى أن ذلك لا يُمكن أن يتم إلا من خلال الشراكة التامة مع القطاع الخاص.
ولفتت السعيد في إطار تناولها لنشاط القطاع الخاص في الاقتصاد المِصري، إلى أن التراجع النسبي الذي شهدته الاستثمارات الخاصة في مِصر كانَ نتيجةً لزيادة تدخُل الدولة عبر الاستثمارات العامة؛ إذ اضطرت لذلك في وقت الأزمات التي مرت بها مثل جائحة كوفيد-19؛ حيث زادت الاستثمارات العامة من قبل الدولة بنسبة 300% لتعويض أي خلل كان من المُمكن حدوثه نتيجة تراجع استثمارات القطاع الخاص في أوقات الأزمات، لافتة إلى أن الدولة تعي في الوقت ذاته ما يواجه القطاع من تحديات وتعمل على مُعالجتها.
وفي إطار تناولها لرؤية مِصر 2030، أشارت الوزيرة إلى أنه في إطار المُتغيرات المحلية والدولية، كان لابد أن يتم تحديث رؤية مِصر 2030، باعتبارها وثيقة حية تتغير وفقًا للظروف، وذلك بغية إضافة المُستحدثات الدولية والمحلية التي يحتاجُ إليها الواقع المِصري.
وأجملت الوزيرة عرضها بالتأكيد على أنه برغم الظروف الاقتصادية الصعبة التي يمُر بها العالم، إلا أن الاقتصاد المِصري لا يزالُ في اتجاهه نحو تحقيق ما يرمي إليه من مُستهدفات، وذلك نتيجةً لبرنامج الإصلاح الهيكلي للاقتصاد المِصري الذي تبنته الدولة.
وشهدت الجلسة مُشاركة نُخبة واسعة من الخبراء الاقتصاديين، ورجال الأعمال، وأعضاء مجلسي النواب والشيوخ، الذينَ أدلوا بآرائهم فيما عرضته الوزيرة، عبرَ اقتراحاتٍ عملية لبعض السياسات الاقتصادية التي ينبغي أن تتبناها الدولة خلال الفترة المُقبلة، في ظل خارطة الطريق الاقتصادي المنشودة؛ فقد أشارَ د. بهاء الدين – نائب رئيس الوزراء الأسبق – إلى أن تشجيع الاستثمارات في أي دولةٍ يتوقف على ما يتوفَر فيها من “يقين”، وهو ما تم تعزيزه في مِصر من خلال الاستقرار الأمني الذي تحقق في البلاد، والطفرة التي تشهدها على صعيد البنية التحتية، الأمر الذي ساعدَ على زيادة الاستثمار، إلى جانب ما قامت به الدولة من طرح لوثيقة سياسة ملكية الدولة بغية تعزيز اليقين في النشاط الاقتصادي في مِصر خلال الفترة المُقبلة، إلا أنه في الوقت ذاته أضافَ بعض المُقترحات العملية مثل الضرائب، التي على الرغم من أنها ليست مُرتفعة في مِصر مُقارنةً بالمُعدلات العالمية، إلا أن المُشكلة تكمُن بصورةٍ أكبر في الرسوم التي تُفرَض على المُستثمر، الأمر الذي ينبغي معه طمأنة المُستثمرين بهذا الخصوص.
كما أشارت في الوقت ذاته الدكتورة أمنية حلمي، أستاذ الاقتصاد، أن تحويلات المصريين العاملين بالخارج تُعد ثروةً حقيقيةً للاقتصاد المٍصري، لذا يجب العمل على تعزيزها عبر آليات جذب واضحة، ثم انتقلَت الكلمة إلى عدد من مُمثلي الصناعة ورجال الأعمال في مِصر، الذين أشاروا إلى أنه على الرغم مما يشهده الاقتصاد المِصري من إيجابيات إلا أنه في حاجةٍ إلى المزيد من الإصلاحات المؤسسية، وزيادة مُشاركة القطاع الخاص، بحيث يكون هو قاطرة عملية التنمية الاقتصادية في مِصر خلال الفترة المُقبلة.
كما أكدَ البعض على ضرورة إيلاء قطاع الخدمات المزيد من الاهتمام في مِصر، نظرًا لأهميته في توفير فُرص العمل، بالإضافة إلى إسهامه في توفير النقد الأجنبي الذي يحتاج إليه الاقتصاد المِصري، مثل قطاع السياحة، في حين أشارَ بعض الخُبراء المُشاركين إلى أن الدولة تُواجه مُشكلات تتعلق بطول مُدة استخراج التصاريح اللازمة للشركات التي تستهدف العمل في السوق المِصرية، الأمر الذي يجب أن تتضافر معه جهود الحكومة لإيجاد حل جذري لتلك العقبة التي تقف أمام جذب المزيد من الاستثمارات.
واستطرَدَ بعض رجال الأعمال قولهم بأن الدولة تُعاني من فجوة بين ما تتخذه من إجراءات وبين رضا المواطن المِصري، بما يشبر إلى ضرورة دراسة مدى فعالية الإجراءات الحكومية ووصولها إلى المواطِن بصورةٍ دقيقة، كما أشار بعض المُشاركين إلى أهمية اجراءات حماية حقوق الملكية الفكرية من جانب الدولة، في جذب المزيد من الاستثمارات إلى الاقتصاد المِصري، هذا وتم التطرق إلى دور المُجتمع المدني في مِصر، وكيفَ أنه يجب أن يلعب دورًا هامًا خلال الفترة المُقبلة كونه أحد أضلاع التنمية الاقتصادية، ويجب أن يتم دعمه كي يوجه موارده بصورةٍ صحيحة من خلال قاعدة بيانات قوية منعًا للازدواجية في تقديم المُساعدات سواء كانت نقدية أو عينية.
هذا واقترح بعض السادة المُشاركين أن الدولة المِصرية في حاجةٍ لإدارةٍ أفضل للأصول غير المُستغلة، والذي من المُمكن أن يكون بمثابة الآلية التي من خلالها يُمكن للدولة سداد جزء من ديونها، على غرار عددٍ من التجارب الدولية مثل فرنسا، وإيطاليا، والتي قامت بإنشاء صناديق لإدارة تلك الأصول غير المُستغلة.
وفي هذا الإطار أكدَ عدد من المُشاركين على ضرورة دعم الدولة المِصرية للشركات الصغيرة والمُتوسطة، نظرًا لأهميتها على صعيد النمو الاقتصادي في مِصر.