أوبك بقيادة العراق والسعودية والإمارات تنجو بأسواق النفط من ويلات الحرب
كتبت : آيه عبدالخالق
أشار تقرير بحثي حديث، إلى نجاح تحالف أوبك+ في قيادة أسواق النفط نحو الاستقرار بالرغم من التوترات الجيوسياسية الحالية التي فجرها الغزو الروسي لأوكرانيا منذ اندلاعه في فبراير من العام الماضي.
وبحسب تقرير وحدة أبحاث الطاقة المتخصصة (ومقرها واشنطن) بمناسبة مرور عام على الحرب، فإن جهود أوبك بقيادة العراق والسعودية والإمارات نجحت في الحفاظ على أسواق النفط، من خلال القرارات التي اتخذها التحالف منذ اندلاع الحرب، وواجه بسببها ضغوطًا كبيرة خاصة من جانب الولايات المتحدة الأمريكية.
واتسمت إدارة تحالف أوبك+ لفترة ما بعد الغزو الروسي لأوكرانيا بـ “الحكمة”، وسط ضغوط مستمرة ومتصاعدة من الغرب، والولايات المتحدة، لضخ المزيد من النفط الخام في الأسواق.
إذ فضّل التحالف التمسك بسياسة الإنتاج التي أتبعها منذ جائحة فيروس كورونا، والتي تنص على زيادة تدريجية للإنتاج، وصولًا إلى خفض تاريخي في الإنتاج قرره في أكتوبر تشرين الأول، بناءً على قراءته للأسواق.
وفي أولى اجتماعاته بعد الغزو الروسي لأوكرانيا، قرر تحالف أوبك، في 2 مارس آذار 2022، الإبقاء على سياسته لإنتاج النفط التي تنص على زيادة تدريجية بمقدار 400 ألف برميل يوميًا في شهر أبريل نيسان.
وشدد التحالف على أن التقلبات الحالية لا تنتج عن التغيرات في أساسيات السوق، ولكن بسبب التطورات الجيوسياسية الحالية؛ في تجاهل لدعوات زيادة ضخ الخام من أجل السيطرة على ارتفاع أسعار الطاقة الذي أعقب الغزو الروسي لأوكرانيا.
واستمر التحالف في الالتزام بقراره بالحفاظ على زيادة الإنتاج بمقدار 432 ألف برميل يوميًا في شهر مايو أيار، مع تعديل شهر الأساس لدول السعودية وروسيا والكويت والعراق والإمارات.
ثم وافق التحالف على زيادة إنتاج النفط بمقدار 648 ألف برميل يوميًا في شهري يوليو/تموز وأغسطس آب المقبلين؛ ما يعني تسريع إلغاء خفض الإنتاج التدريجي -الذي اتفق عليه التحالف في أعقاب جائحة فيروس كورونا- لينتهي في شهر أغسطس آب، بدلًا من سبتمبر أيلول.
إذ كان من المفترض أن تلتزم دول التحالف بزيادة الإنتاج الشهرية المقدّرة بـ432 ألف برميل يوميًا، إلّا أن التطورات الأخيرة استلزمت تغييرًا في سياسة الإنتاج.
وجاءت هذه الخطوة في محاولة لتعويض تراجع إنتاج النفط الروسي بنحو مليون برميل يوميًا؛ إذ بلغ إنتاج روسيا نحو 9.3 مليون برميل يوميًا في أبريل نيسان، أي أقلّ من هدفها المحدد في أوبك عند 10.44 مليون برميل يوميًا.
كما قرر تحالف أوبك+ زيادة إنتاج النفط بمقدار 100 ألف برميل يوميًا في شهر سبتمبر أيلول المقبل، وسط ضغوط متزايدة من الولايات المتحدة لضخّ المزيد من النفط في الأسواق.
وشدد وزراء التحالف -خلال اجتماعهم في 3 أغسطس آب 2022- على أن التوافر المحدود للغاية للطاقة الفائضة يستلزم استخدامها بحذر شديد، استجابةً للانقطاعات الشديدة في الإمدادات.
وأوضحوا أن نقص الاستثمار المزمن في قطاع النفط قد قلّل من القدرات الفائضة على طول سلسلة القيمة.
كما أعربوا عن قلقهم من أن الاستثمار غير الكافي في قطاع التنقيب والإنتاج سيؤثّر في توفير المعروض الكافي في الوقت المناسب، لتلبية الطلب المتزايد إلى ما بعد عام 2023.
ثم عادت حصص إنتاج النفط لدول أوبك+ في شهر أكتوبر تشرين الأول إلى مستويات أغسطس آب، إذ اتفق وزراء تحالف أوبك على خفض إنتاج النفط بمقدار 100 ألف برميل يوميًا، في ضوء الأساسيات الحالية لسوق النفط.
أكبر خفض منذ كورونا
في أول اجتماع حضوري في فيينا منذ بدء جائحة فيروس كورونا في عام 2020، أعلن التحالف خفض سقف إنتاج النفط بمقدار مليوني برميل يوميًا بدءًا من شهر نوفمبر تشرين الثاني المقبل حتى ديسمبر كانون الأول 2023، فيما يُعدّ أكبر خفض للإنتاج منذ تفشّي جائحة كورونا.
كما قرر التحالف تمديد اتفاقية إعلان التعاون، التي كان من المفترض أن تنتهي بحلول نهاية العام الجاري (2022).
وجاء قرار خفض الإنتاج -الذي يعادل نحو 2% من الطلب العالمي- مع استعداد الاتحاد الأوروبي لفرض حزمة من العقوبات ردًا على الغزو الروسي لأوكرانيا، من خلال حظر صادرات النفط الروسي في 5 ديسمبر كانون الأول، بالإضافة إلى تحديد سقف للأسعار، بحسب ما رصده تقرير وحدة أبحاث الطاقة المتخصصة.
وأوضح التحالف -خلال الاجتماع الذي عُقد في 5 أكتوبر تشرين الأول- أن القرارات جاءت في ضوء عدم اليقين الذي يحيط بآفاق الاقتصاد العالمي وسوق النفط، والحاجة إلى تعزيز التوجيه طويل المدى لسوق النفط، وتماشيًا مع النهج الناجح المتمثل في الاستباقية.
كما قرر وزراء التحالف تعديل وتيرة الاجتماعات الشهرية، لتصبح كل شهرين للجنة المراقبة الوزارية المشتركة، مع عقد الاجتماع الوزاري لتحالف أوبك كل 6 أشهر.
ومُنحت لجنة المراقبة الوزارية المشتركة السلطة لعقد اجتماعات إضافية، أو طلب عقد اجتماع وزاري للتحالف في أي وقت لمعالجة تطورات السوق إذا لزم الأمر.
يقول محلل السلع في بنك يو بي إس السويسري جيوفاني ستانوفو، إلى أن الغزو الروسي لأوكرانيا سيستمر بالتأثير في أسواق الطاقة.
وتوقع ستانوفو في التقرير البحثي، أن “تقلّص دول مجموعة السبع والاتحاد الأوروبي مشترياتها من السلع الروسية، وإعادة توجيهها إن أمكن إلى دول أخرى”.
وأدى التحالف دورًا تاريخيًا أيضًا بين عامي 2020 و2022، إلا أن دور المخزون الإستراتيجي -سواء في الولايات المتحدة أو الصين- حجّم دور أوبك+ في إدارة السوق، بحسب تصريحات خبير اقتصادات الطاقة الدكتور أنس الحجي.
في حين أشار المستشار والخبير في مجال الطاقة بسلطنة عمان، علي بن عبدالله الريامي، إلى أن التحالف تمكّن من مواجهة الأزمة “بحكنة”، واستطاع أوبك+ أن يحلّ الكثير من التوترات، مع تقديم ضمانات إلى الأسواق العالمية بأن وجود النفط سيستمر على الرغم من الانتكاسات.
وقال الريامي في تصريحاته للتقرير البحثي المتخصص: “أنا متأكد أنه في حالة وجود حاجة إلى كميات أكبر من النفط على مستوى العالم، فإن أوبك+ سيتحرك لإضافة هذه الكميات إلى السوق.. وهذا شيء منطقي لأنها دول مسؤولة ويهمها استقرار السوق”.
وهو الرأي ذاته الذي شاركه رئيس شركة رابيدان إنرجي الأميركية بوب مكنالي، إذ أشاد بإدارة تحالف أوبك+ سوق النفط “ببراعة” خلال العام الماضي (2022)، مُرجعًا ذلك إلى قيادة اثنين من أصحاب الطاقة الاحتياطية الرئيسين، المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة.
وبحسب تقرير وحدة أبحاث الطاقة المتخصصة، فإن تحالف أوبك+ سيكافح لاحتواء ضغط الأسعار التصاعدي، لأن الطاقة الاحتياطية الضئيلة لا يمكنها أن تعوّض سنوات من قلة الاستثمار والعداء للاستثمار في الهيدروكربونات في أجزاء كثيرة من العالم.
في السياق ذاته، أكد محلل أسواق النفط بالشرق الأوسط في منصة آرغوس ميديا المتخصصة في الطاقة، نادر أیتیّم، أن التحالف أدى دورًا مهمًا للغاية في محاولة تحقيق الاستقرار في الأسواق، في وقت كان صعبًا للغاية بعد الغزو الروسي لأوكرانيا.
إذ أوضح أنه لم يكن عادةً على السوق سوى التعامل مع عامل أو عاملين رئيسين مختلفين في مدّة واحدة، إلا أنه على مدار السنوات القليلة الماضية، وبشكل أكثر تحديدًا في الأشهر الـ12-18 الماضية، كان على أوبك+ التعامل مع مجموعة من العوامل المتضاربة للغاية، ما جعل من المستحيل تقريبًا على صانعي السياسات، مثل أوبك+، التنبؤ واتخاذ القرار بشأن سياسة الإنتاج المستقبلية، وفق ما صرّح به أيتيّم.
وقال: “تمسّك أوبك+ بشعاره المتمثل في كونه استباقيًا ووقائيًا، في حين من ناحية أخرى يظل حذرًا. ومع احتفاظ أوبك+ بالكثير من الطاقة الاحتياطية المتبقية (والمحدودة) في العالم، فإنه يمتلك الكثير من الأوراق، إذا جاز التعبير، لذلك ستستمر أعين العالم في التركيز عليه”.
وتوقع أيتيّم أن يستمر التحالف في سياسته، إذ قال: “حتى الآن، قال تحالف أوبك+ -وبشكل أكثر تحديدًا وزير الطاقة السعودي الأمير عبدالعزيز بن سلمان- إنه سيلتزم بسياسته الإنتاجية الحالية حتى نهاية عام 2023”.
وأضاف: “ما دام لم يحدث شيء استثنائي، ربما فيما يتعلق بالغزو الروسي لأوكرانيا، أعتقد أن أوبك+ سيفعل مثلما قال”.
وإذا توسع نطاق حرب أوكرانيا، فسيكون ذلك تحديًا خطيرًا لسوق الطاقة في عام 2023، فلا تريد روسيا أن تنتهي حرب أوكرانيا قريبًا، ومع استمرار حرب أوكرانيا، ستواجه موسكو تدريجيًا تحديًا جديًا لدورها المهم في سوق الطاقة.