الأخباربنوك وتأمينمجتمعمنوعات

من الحسابات إلى الاستراتيجيات: كيف أصبح الخبير الاكتواري شريكًا في صنع القرار؟

» كتب: حماده عواد 

تمثل صناعة التأمين إحدى الركائز الأساسية لاستقرار الاقتصاديات الحديثة، إذ توفر الحماية المالية للأفراد والمؤسسات وتدير المخاطر بطرق علمية دقيقة. وفي قلب هذه المنظومة يقف الخبير الاكتواري، الذي يجمع بين المعرفة الرياضية والإحصائية والخبرة المالية، ليصمم حلولًا مبتكرة تسهم في استدامة شركات التأمين وتعزيز الثقة لدى العملاء والمستثمرين.

العلوم الاكتوارية هي فرع متقدم من الرياضيات التطبيقية يهدف إلى تقييم المخاطر المالية في ظل ظروف عدم اليقين. وتقوم صناعة التأمين على هذه العلوم في تسعير المنتجات التأمينية، تحديد الاحتياطيات الفنية، وإدارة المخاطر بشكل علمي. يعمل الاكتواري على حساب الأقساط العادلة، تحليل بيانات الحوادث، وتقدير احتمالات الخسائر، بما يضمن توازن شركات التأمين ماليًا ويمنع تعرضها لأزمات مفاجئة.

يمتد دور الخبير الاكتواري إلى ما هو أبعد من الحسابات الفنية، ليشمل دعم التخطيط الاستراتيجي وإدارة رأس المال الاقتصادي، وتطوير منتجات جديدة تلبي احتياجات السوق المتغيرة. كما يلعب دورًا حيويًا في اختبار الملاءة المالية للشركات من خلال نماذج محاكاة السيناريوهات المعاكسة، مما يعزز استقرار القطاع ويحمي حقوق حملة الوثائق.

وفي ظل التغيرات الاقتصادية والتكنولوجية العالمية، تطور دور الاكتواري من مجرد “حارس للأرقام” إلى شريك استراتيجي في صناعة القرار. فمع ظهور مخاطر جديدة مثل التغير المناخي والهجمات السيبرانية، واعتماد شركات التأمين على تقنيات الذكاء الاصطناعي والبيانات الضخمة، أصبح الاكتواري مسؤولًا عن تقديم تحليلات استشرافية تدعم خطط النمو وتحقق التوازن بين العائد والمخاطر.

في مصر، تولي الهيئة العامة للرقابة المالية واتحاد شركات التأمين أهمية خاصة لتأهيل كوادر اكتوارية متخصصة. ففي نهاية 2023، تم توقيع بروتوكول تعاون مع الجامعة الأمريكية بالقاهرة لإطلاق أول دبلومة مهنية متخصصة في العلوم الاكتوارية، بتمويل مشترك من الاتحاد وصندوق حماية حملة الوثائق والشركة الإفريقية لإعادة التأمين. وقد شهد عام 2025 تخرج الدفعة الأولى من البرنامج وفتح باب التسجيل للدفعة الثانية، في خطوة تستهدف سد الفجوة بين حجم السوق وعدد الخبراء المؤهلين.

كما وقع الاتحاد في يوليو 2025 بروتوكول تعاون مع كلية التجارة – جامعة القاهرة لدعم 40 طالبًا سنويًا بمنح دراسية كاملة، إضافة إلى برامج تدريب عملي داخل شركات التأمين. هذه المبادرات تعزز جاهزية الكوادر الوطنية لمواكبة التطورات العالمية في إدارة المخاطر والتسعير والاكتتاب التأميني.

ويرى اتحاد شركات التأمين ، أن الاستثمار في الكفاءات الاكتوارية هو استثمار في استقرار القطاع والاقتصاد الوطني، حيث يسهم الخبير الاكتواري في حماية مدخرات الأفراد، ضمان ملاءة الشركات، ومنع انتقال الأزمات المالية إلى النظام المصرفي. ومع استمرار تعقيد الأسواق وتزايد المخاطر، تظل الحاجة ملحّة لتطوير هذه المهنة باعتبارها ركيزة رئيسية لتحقيق نمو اقتصادي مستدام.