خدمات القراءمقالات الرأي
أثر دمج الاقتصاد غير الرسمي على الحصيلة الضريبية
يعتمد تطبيق القوانين الضريبية في أي دولة بشكل أساسي على تحديد من يخضع للضريبة والدخل الخاضع للضريبة، ولقد مر التشريع الضريبي المصري بعدة تطورات بداية من فرض الضريبة على الرؤوس إلى أن وصل إلى فرض الضريبة على دخول الأفراد والمنشآت، وتعد الضرائب المباشرة أهم الموارد السيادية للدخل في معظم دول العالم؛ حيث تفرضها الدولة لتلبية الاحتياجات الخاصة بمواطني تلك الدول من خلال تقديم الخدمات العامة كالرعاية الصحية والتعليم، بالإضافة إلى الاستثمار في البنية الأساسية وغيرها من الأنشطة.
ونظرًا لأهمية الدور الذي تمثله الإيرادات الضريبية في أي دولة، فقد اهتمت العديد من الدول بعملية الإصلاح الضريبي، وذلك من خلال توسيع الوعاء الضريبي بدلا من زيادة معدلات الضريبة، ومن ثم اتجهت مصر كغيرها من الدول إلى توسيع الوعاء الضريبي من خلال الاهتمام بدمج القطاع غير الرسمي في القطاع الرسمي، ويقدر حجم الاقتصاد غير الرسمي في مصر عام 2019 بما يزيد عن 50% من الناتج المحلي الاجمالي، ومن هنا تتضح أهمية دمج القطاع غير الرسمي في القطاع الرسمي وتأثيره على الزيادة المتوقعة في الحصيلة الضريبية للدولة.
إن الاقتصاد غير الرسمي يلعب دورًا مهما في الاقتصاد المصري، حيث إنه يساعد على توفير فرص عمل جديدة وزيادة الدخول للأفراد، إلا أن هذا القطاع يشوبه عدم وجود تسجيل للمعاملات في سجلات رسمية، كما أن هذه المعاملات تكون معاملات نقدية؛ مما يجعل عملية تقدير الضرائب المستحقة على هذا القطاع عملية صعبة. ماهية الاقتصاد غير الرسمي:
يمكن تعريف القطاع غير الرسمي بأنه مجموعة الأنشطة الاقتصادية والدخول الناتجة عنها التي تساهم في الناتج المحلي الإجمالي المحسوب رسميًّا، ولكنها غير مسجلة ويُتعمد إخفاءها للتهرب من الخضوع للقوانين والضرائب الحكومية، كما يمكن تعريفها بأنها جميع السلع والخدمات غير المرخصة ولكن يسمح باستخدامها، والتي يتم تداولها في السوق، ولكن يتم إخفاؤها عمدًا عن السلطات لتجنب دفع الضرائب، وتجنب دفع اشتراكات الضمان الاجتماعي للعمالة التي تعمل في هذا القطاع، وكذلك عدم الاضطرار لتلبية بعض قوانين ومعايير سوق العمل، مثل الحد الأدنى للأجور وغيرها من القواعد، ولا يعد القطاع غير الرسمي منفصلا عن القطاع الرسمي؛ حيث إنه يتضمن نفس الأنشطة والخدمات التي يقدمها القطاع الرسمي، بمعنى أن الأنشطة غير الرسمية ليس بالضرورة تكون غير قانونية مثل الاتجار بالمخدرات والأسلحة والبشر وغيرها من الأنشطة الإجرامية، ومعظم أنشطة الاقتصاد غير الرسمي ليست مثل هذه الأنشطة الإجرامية، إنما هي تنظيم بديل وإخضاع للآليات الاجتماعية التي تشرف عليها المؤسسات غير الحكومية مثل العائلات والأصدقاء وغيرها، ويشمل الاقتصاد غير الرسمي الوحدات غير المسجلة القائمة على إنتاج وتوزيع السلع والخدمات مثل الورش ومصانع “بئر السلم”، بالإضافة إلى الشركات العائلية التي تتم إدارتها داخل المنازل، والباعة الجائلين الذين ينتهكون القانون أو يشغلون الأماكن العامة بدون ترخيص.
هناك عدة أنواع من اللارسمية الاقتصادية، أولًا: المؤسسات غير الرسمية هي مؤسسات خاصة غير مسجلة و/أو صغيرة الحجم، قد تكون هذه المؤسسات غير الرسمية مملوكة ومدارة من قبل أفراد يعملون لحسابهم الخاص، أو قد توظف بعض أفراد الأسرة بدون مقابل مادي، والسمة الرئيسة لهذه المؤسسات هي الافتقار إلى التنظيم، ويرجع ذلك إلى صغر حجمها، ثانيًّا: العمالة غير الرسمية أو التوظف غير الرسمي، وهي العمالة التي لا تخضع للقوانين التي تخضع لها العمالة الرسمية، ومن ثم لا يحق لهم الحصول على التأمينات الاجتماعية والرعاية الصحية، ويشمل ذلك الموظفين بشكل غير رسمي لحسابهم أو لحساب الغير، بالإضافة إلى العمال والحرفيين الذين يستأجرهم القطاع العائلي، كما يشمل هذا النوع العاملين في شركات القطاع الرسمي بدون عقود أو بموجب عقود موسمية أو مؤقتة، ثالثًا: الأنشطة غير الرسمية هي جميع الأنشطة الاقتصادية التي يقوم بها العمال والوحدات الاقتصادية بدون أوراق رسمية، ومن أهم العوامل التي تؤدي إلى وجود الأنشطة غير الرسمية تعقيد القوانين والإجراءات، وعدم عدالة توزيع الدخل، وعدم وجود رقابة، وانتشار الفساد.
هناك العديد من الأسباب الرئيسة التي أدت إلى ظهور الاقتصاد غير الرسمي، ومنها عدم المساواة في توزيع الدخل، وانتشار الفقر والبطالة، وانخفاض معدلات النمو الاقتصادي، بالإضافة إلى الأزمات الاقتصادية، كما يرى البعض أن ارتفاع العبء الضريبي، وارتفاع تكاليف وصعوبة إجراءات تسجيل الشركات، وانتشار الفساد والروتين والبيروقراطية، ونظرة العاملين بالقطاع غير الرسمي للضرائب على أنها جباية تفرض عليهم بدون الحصول على خدمات شخصية في المقابل من الأسباب التي تساعد في تفشي ظاهرة الاقتصاد غير الرسمي.
هل الاقتصاد غير الرسمي يعد مشكلة؟
تتسم الأنشطة غير الرسمية بالإنتاجية المنخفضة، والعمالة ذات المهارة المحدودة، وانخفاض رأس المال، سواء المالي (مثل القروض المصرفية)، أو المادي (مثل الأرض، والآلات، والمعدات، وما إلى ذلك)، وتتوافق هذه الخصائص مع الحجم الصغير للمشروعات غير الرسمية، والتي بغض النظر عن مدى إنتاجها، تظل عادةً مقتصرة على فرد أو فردين، أو تتخذ شكل مؤسسات صغيرة تستخدم مجموعة صغيرة من العمال، وتضعف هذه الأنشطة بسبب حقيقة أن مستويات المهارات الضعيفة مع محدودية الوصول إلى رأس المال تؤدي إلى تضاؤل فرص النمو والتوسع، وبالتالي، فإن معظم الأنشطة غير الرسمية تتميز بإنتاجية وعائدات منخفضة، وعادة ما يكون هدفها هو كسب الرزق اليومي بدلا من تحقيق أرباح كافية للتراكم والنمو.
عيوب الاقتصاد غير الرسمي وإيجابيات دمجه في القطاع الرسمي
أولًا: فيما يتعلق بالآثار السلبية للاقتصاد غير الرسمي، فيمكن تلخيصها فيما يلي:
يعتبر الاقتصاد غير الرسمي أرضا خصبة وبيئة جيدة لغسيل الأموال وأي نشاط مشبوه بعيدًا عن سيطرة الحكومة.
وجود القطاع غير الرسمي يؤثر بالسلب على القطاع الرسمي، حيث إنه يؤثر على عملية المنافسة بين الشركات، مما يدفع العديد من الشركات العالمية إلى التفكير مليا قبل الاستثمار في مصر.
يهدد القطاع غير الرسمي خطط الإصلاح الاقتصادي للدولة؛ وذلك نظرًا لعدم توافر بيانات فعلية عن حجم النشاط الاقتصادي والعمالة في هذا القطاع، ومن ثم يمكن أن يؤدي ذلك على قيام الحكومة باتخاذ قرارات قد تؤدي إلى فشل أي جهود تستهدف تحقيق الإصلاح الاقتصادي.
انخفاض إيرادات الدولة من الضرائب ورسوم التراخيص التي كان من الممكن الحصول عليها في حالة دمج هذا القطاع مع القطاع الرسمي.
ضياع حقوق العاملين بهذا القطاع وعدم تمتعهم بالأمان الاقتصادي والاجتماعي.
ثانيا: إيجابيات دمج الاقتصاد غير الرسمي في القطاع الرسمي:
يظهر الأثر الإيجابي للاقتصاد غير الرسمي، خاصة، منذ اندلاع ثورة يناير 2011 وما تلاها من تغييرات في الوضع الاقتصادي للدولة، حيث ارتفع معدل البطالة وانخفض حجم الاستثمار الأجنبي المباشر، فنجد أنه خلال تلك الفترة كان الاقتصاد غير الرسمي داعمًا قويا للاقتصاد المصري؛ حيث وفر العديد من فرص العمل، كما وفر دخولا إضافية لذوي الدخل المنخفض.
ومن هنا، تتضح أهمية دمج الاقتصاد غير الرسمي في الاقتصاد الرسمي للدولة، حيث يؤدي ذلك إلى زيادة الإيرادات الضريبية للدولة، وبالتالي تقليل عجز الموازنة وتحسين الخدمات التي تقدمها الحكومة للمواطنين، وتوفير التأمينات الاجتماعية والرعاية الصحية للعاملين، ووجود بديل للاقتراض، سواء المحلي أو الخارجي، والقدرة على التوسع في النشاط الاقتصادي، ومن ثم زيادة معدلات النمو الاقتصادية.
تطور الاقتصاد غير الرسمي في مصر:
من الصعب تحديد بداية انتشار القطاع غير الرسمي في مصر أو ربطه بعامل معين دون العوامل الأخرى؛ حيث اتجهت العديد من الدول، ومنها مصر، إلى الاهتمام بالقطاع غير الرسمي في السبعينيات، ولقد كانت فرص العمل المتاحة خلال تلك الفترة في القطاع غير الرسمي متمثلة في الحرف البسيطة والتجارة في السلع والخدمات باستخدام رؤوس أموال محدودة الحجم، وكانت معدلات البطالة في تلك الفترة مرتفعة.
ولقد استمر الوضع على ما هو عليه إلى أن بدأ تطبيق سياسة الانفتاح الاقتصادي في الثمانينيات، ومع تطبيق هذه الاستراتيجية، ازدادت تدفقات رؤوس الأموال من الخارج؛ مما أدى إلى زيادة النشاط الاقتصادي، وخلق فرص عمل جديدة، ومن ثم كان حجم الاقتصاد غير الرسمي محدودا ولا يمثل أهمية للدولة؛ حيث كانت نسبة الاقتصاد غير الرسمي خلال تلك الفترة تتراوح بين 27-30% من الناتج المحلي الإجمالي.
في أواخر الثمانينيات، عانى الاقتصاد المصري من العديد من الاختلالات، مثل: زيادة عجز ميزان المدفوعات، وزيادة عجز الميزانية، وارتفاع معدلات الفائدة، وارتفاع معدلات التضخم، وقد أثرت هذه العوامل على الاقتصاد المصري سلبًا، ونتيجة لذلك بدأت الحكومة في التسعينيات في تطبيق برنامج الإصلاح الاقتصادي، واتجهت الحكومة نحو الخصخصة للمنشآت العامة وتقليل القيود على التجارة الدولية، ومن ثم أصبح القطاع الخاص هو المصدر الرئيس لتوفير فرص العمل بالدولة، ونتيجة اتجاه الحكومة للخصخصة، تم الاستغناء عن عدد كبير من العمال والموظفين، ومن ثم أصبح القطاع غير الرسمي هو الحل البديل لتوفير فرص عمل للعديد من الأفراد في الدولة.
ونتيجة لثورة يناير 2011 وما ترتب عليها من آثار سلبية على الاقتصاد المصري، وذلك بسبب غياب العديد من المؤسـسات المعنية بمراقبة النشاط الاقتصادي في الأسواق وغياب الأمن، أصبح الاقتصاد غير الرسمي هو المهيمن على الاقتصاد المصري، وقد قدِّر حجم الاقتصاد غير الرسمي في عام 2011 بحوالي ٢,٢ تريليون جنيه مصري، وقد تسبب وجود الاقتصاد غير الرسمي في ضياع ٣٣٠ مليار جنيه -قيمة الضرائب المهدرة- سنويا على خزينة الدولة، فقد وصل حجم القطاع غير الرسمي في منتصف العقد الأول من القرن الحادي والعشرين إلى أكثر من 40% من الناتج المحلي الإجمالي، ومن ثم فإنه في حال دمج اقتصاد الظل في الاقتصاد الرسمي، وفي حال تطبيق الضريبة على هذا القطاع المضاف فسوف ترتفع الـضرائب المتحـصلة بمعـدل ١٥٠ %ليرتفع بذلك إجمالي الحصيلة الضريبية للدولة إلى تريليون جنيه سنويا، مما يساعد في خفض عجز الموازنة ويكون بديلا جيدا عن الاقتراض الداخلي والخارجي.
وفي عامي 2014 و2015، واجهت مصر انخفاضا في المساعدات الدولية التي كانت تحصل عليها من الدول العربية، ومن ثم لجات الحكومة المصرية إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي في عام 2016؛ وذلك لمواجهة العجز في ميزان المدفوعات وعجز الموازنة، وكان لذلك أثر سلبي، حيث فرض صندوق النقد الدولي بعض الشروط على الاقتصاد المصري مثل رفع الدعم وغيرها من الشروط، ومن ثم لم يكن هناك حل بديل للمواطنين عن اللجوء للاقتصاد غير الرسمي للحصول على فرص عمل.
وفي عام 2020، في ظل انتشار فيرس كورونا ونتيجة للسياسات المتبعة للحد من انتشار الفيروس، انخفض معدل النمو الاقتصادي، وزادت معدلات البطالة، فلجأ العديد من الأشخاص إلى العمل في القطاع غير الرسمي، حيث وصل حجم القطاع غير الرسمي حوالي 50% من الناتج المحلي الإجمالي.
السياسات والإجراءات التي اتبعتها الحكومة لدمج القطاع غير الرسمي:
ولما كان الاقتصاد غير الرسمي ظاهرة ذات تأثير سلبي على المجتمع، ولما كان هذا القطاع يعد موارد مهدرة يمكن الاستفادة منها في حالة دمجها تحت المظلة الرسمية، اتجهت الحكومة المصرية إلى اتباع بعض الإجراءات للحد من الآثار السلبية لتلك الظاهرة والاستفادة من هذه الموارد في زيادة حصيلة الدولة من الضرائب، وذلك كما يلي:
أولًا: قامت الحكومة بإصدار قانون لتنظيم المشروعات الصغيرة، والمتوسطة، ويتضمن هذا المشروع إعفاء هذه المشروعات من الضرائب لمدة 5 سنوات، ومنح هذه المشروعات قروضا ميسرة، وتقديم الأراضي اللازمة لهذه المشروعات بأسعار مناسبة.
ثانيًّا: اتجهت الحكومة إلى تطبيق قانون الدفع غير النقدي، والذي سيجبر عددا كبيرا من المواطنين على الاعتماد على وسائل الدفع غير النقدية وزيادة الشمول المالي؛ مما يساعد على دمج القطاع غير الرسمي.
ثالثًا: قامت الحكومة بتعميم منظومة الفواتير الإلكترونية، وسوف تساعد هذه المنظومة على تحجيم أنشطة، وموارد الاقتصاد غير الرسمي، ودفعه للانضمام للمظلة الشرعية.